فصل: سرية زيد بن حارثة إلى الفردة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير **


 غزوة غطفان بناحية نجد

قال ابن اسحق وهي غزوة ذي أمر واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فيما قال ابن هشام‏.‏

قال ابن اسحق فأقام بنجد صفراً كله وقريباً من ذلك ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً‏.‏

وقال ابن سعد ذو أمر بناحية النخيل وكانت في شهر ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من مهاجره وذلك أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعاً من ثعلبة ومحاري بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم رجل منهم يقال له دعثور بن الحرث من بني محارب فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين وخرج لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في أربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس واستخلف على المدينة عثمان فأصابوا رجلاً منهم بذي القصة يقال له حبان من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم وقال لن يلاقوك لو سمعوا بمسيرك لهربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال ولم يلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً إلا أنه ينظر إليهم في رءوس الجبال وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما ليجفا وألقاهما على شجرة واضطجع وجاء رجل من العدو يقال له دعثور بن الحارث ومعه سيف حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك مني اليوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ثم أتى قومه فجعل يدعوهم إلى الإسلام ونزلت هذه الآية ‏"‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ‏"‏ الآية ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيداً‏.‏

وكانت غيبته إحدى عشرة ليلة‏.‏

قال ابن اسحق ثم غزا يريد قريشاً واستعمل على المدينة ابن مكتوم فيما قال ابن هشام حتى بلغ بحران معدناً بالحجاز من ناحية الفرع فأقام به شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً‏.‏

وقال ابن سعد إنه خرج لست خلون من جمادى الأولى على رأس سبعة وعشرين شهراً من مهاجره وذلك أنه بلغه أن بها جمعاً من بني سليم كثيراً فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه قال فأغذ السير حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم فرجع ولم يلق كيداً وكانت غيبته عشرة ليال‏.‏

والفرع بفتح الفاء والراء قيده السهيلي‏.‏

 سرية زيد بن حارثة إلى الفردة

ـ اسم ماء ـ

قال ابن اسحق‏:‏ وكان من حديثها أن قريشاً خافوا من طريقهم التي يسلكون إلى الشام حين كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان بن حرب ومعهم فضة كثيرة وهي عظم تجارتهم واستأجروا رجلاً يقال له فرات بن حيان يدلهم في ذلك الطريق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسان بن ثابت دعوا فلجات الشام قد حال دونها جلاد كأفواه المخاض الأوارك بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم وأنصاره حقاً وأيدي الملائك إذا سلكت للغور من بطن عالج فقولاً لها ليس الطريق هنالك وقال ابن سعد كانت لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهراً من مهاجره وهي أول سرية خرج فيها زيد أميراً‏.‏

والفردة من أرض نجد من الربذة‏.‏

والغمرة ناحية ذات عرق بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض العير لقريش فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن أبي ربيعة ومعه مال كثير وآنية فضة وزن ثلاثين ألف درهم‏.‏

وكان دليلهم فرات بن حيان فخرج بهم على ذات عرق طريق العراق وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم فوجه زيد بن حارثة في مائة راكب فاعترض لها فأصابوا العير وأفلت أعيان القوم وقدموا بالعير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخمسها فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم وقسم ما بقي على أهل السرية‏.‏

وأسر فرات بن حيان فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له إن تسلم تترك فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القتل وحسن إسلام فرات بعد ذلك‏.‏

وفيه قال عليه السلام إن منكم رجالاً نكلهم إلى إسلامهم منهم فرات‏.‏

والفردة بالفاء المفتوحة وسكون الراء وضبطها بعضهم بفتح القاف والراء والله أعلم بالصواب‏.‏على صاحبها أفضل الصلاة والسلام لله الحمد والمنة يتلوه الثاني بغزوة أحد‏.‏

 غزوة أحد

قرأت على أبي النور إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي أخبركم أبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي قراءة عليه وأنتم تسمعون قال أنا أبو القاسم سعيد بن أحمد ابن البناء قال أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد البسري قال‏:‏ أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص فثنا عبد الله فثنا العباس بن الوليد فثنا أبو عوانة عن عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ أن أحداً هذا جبل يحبنا ونحبه ‏"‏ وكانت في شوال سنة ثلاث يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت منه عند ابن عائذ وعند ابن سعد لسبع ليال خلون منه على رأس اثنين وثلاثين شهراً من مهاجره وقيل للنصف منه‏.‏

وكان من حديث أحد قال ابن إسحاق كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ومحمد بن يحيى بن حيان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا أو من قال منهم لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم يوم بدر فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأراً بمن أصاب منا ففعلوا‏.‏

وقال ابن سعد لما رجع من حضر بدراً من المشركين إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان بن حرب موقوفة في دار الندوة فمشت أشراف قريش إلى أبي سفيان فقالوا نحن طيبوا أنفس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشاً إلى محمد فقال أبو سفيان فأنا أول من أجاب إلى ذاك وبنوا عبد مناف فباعوها فصارت ذهباً وكانت ألف بعير والمال خمسين ألف دينار فسلم إلى أهل العير رؤوس أموالهم وأخرجوا أرباحهم وكانوا يربحون في تجاراتهم لكل دينار ديناراً‏.‏

قال ابن إسحاق ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله تعالى ‏"‏ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم لصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذي كفروا إلى جهنم يحشرون ‏"‏ فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين فعل ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة‏.‏

قال ابن سعد وكتب العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخبرهم كله فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعد بن الربيع بكتاب العباس‏.‏رجع إلى خبر بن إسحاق‏:‏ وكان أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر وكان فقيراً ذا عيال وحاجة وكان في الإسار فقال يا رسول الله إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك فمن عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك فلك الله على أن رجعت أن أغنيك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فرجع أبو عزة ومشافع بن عبد مناف يستنفزان الناس بأشعار لهما فأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الوقعة بحمراء الأسد فقال يا محمد أقلني فقال ‏"‏ لا والله لا تسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمداً مرتين ‏"‏ ثم أمر عاصم ابن ثابت فضرب عنقه وقال سعيد بن المسيب فيه قال عليه السلام ‏"‏ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ‏"‏ ودعا جبير بن مطعم غلاماً حبشياً يقال له وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عجي فأنت عتيق وخرجوا معهم بالظعن التماس الحفيظة وأن لا يفروا فأقبلوا حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مقابل المدينة فلما سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين‏:‏ ‏"‏ إني قد رأيت والله خيراً‏.‏

رأيت بقراً تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلماً ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة ‏"‏‏.‏

وعن ابن هشام ‏"‏ فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل ‏"‏ وقال ابن عقبة ويقول رجال كان الذي رأى بسيفه الذي أصاب وجهه فإن العدو أصابوا وجهه صلّى الله عليه وسلّم يومئذ وقصموا رباعيته وجرحوا شفته وسيأتي ذكر من فعل ذلك‏.‏

وعن ابن عائذ أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة‏.‏

رجع إلى الأول قال ابن إسحاق قال يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ‏"‏ وكان رأي عبد الله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى أن لا يخرج إليهم فقال رجل من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيره ممن فاته بدر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فلم يزالوا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى دخل فلبس لأمته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بني النجار فصلى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم خرج إليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يكن لنا ذلك فلما خرج عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن لنا ذلك فإن شئت فاقعد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ ما ينبغي للنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ‏"‏ فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ألف من أصحابه‏.‏

قال ابن هشام واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس قال ابن إسحاق حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد انخزل عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني ما ندري على ما نقتل أنفسنا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق والريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أنه يكون قتال قال فلما استعصوا عليه وأبو إلا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه قال ابن عقبة فلما رجع عبد الله بن أبي بثلثمائة سقط في أيدي الطائفتين من المسلمين وهما أن يقتتلا وهما بنو حارثة وبنو سلمة كما يقال‏.‏

أخبرنا الإمام الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن الواسطي قراءة عليه وأنا أسمع قال أنا المشايخ أبو البركات داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب البغدادي وأبو نصر موسى بن عبد القادر الجيلي وأبو الفضل محمد بن محمد بن السباك قال الأولان أنا أبو القاسم سعيد بن أحمد بن محمد بن البنا وقال الثاني أنا أبو المعالي محمد بن محمد بن الجيان قال الأول أنا وقال الثاني أنبأنا أبو القاسم بن البسري قال أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي فثنا عبد الله بن محمد فثنا أبو بكر بن أبي شيبة فثنا أبو أسامة عن شعبة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب قال لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد خرج معه بأناس فرجعوا قال فكان أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فيهم فرقتين فقالت فرقة نقتلهم وقالت فرقة لا نقتلهم قال فنزلت ‏"‏ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ‏"‏ قال فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ أنها طيبة وأنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة ‏"‏‏.‏

وعن ابن إسحاق من غير طريق زياد عن الزهري أن الأنصار يوم أحد قالوا يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود فقال ‏"‏ لا حاجة لنا فيهم ‏"‏ قال زياد وحدثني محمد بن إسحاق قال ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى سلك في حرة بني حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب سيف واستله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان يحب الفأل ولا يعتاف ‏"‏ يا صاحب السيف شم سيفك فإني أرى السيوف ستستل اليوم ‏"‏ ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه ‏"‏ من رجل يخرج بنا على القوم من كثب أي من قرب من طريق لا يمر بنا عليهم ‏"‏ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى سلك في مال لمربع بن قيظي وكان رجلاً منافقاً ضرير البصر فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن معه من المسلمين قام يحثي في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال والله لا أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها في وجهك فابتدره القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر ‏"‏ وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل قبل نهي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضربه بالقوس في رأسه فشجه ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى نزل الشعب من أحد في عروة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال ‏"‏ لا يقاتلن أحد حتى آمر بالقتال ‏"‏ وقد سرحت قريش الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن القتال أترعى زروع بني قيلة ولما تضارب‏.‏

وتعبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للقتال وهو في سبعمائة رجل وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو معلم يومئذ بثياب بيض والرماة خمسون رجلاً فقال ‏"‏ انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك ‏"‏ وظاهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين درعين ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبد الدار‏.‏

وقال ابن عقبة وكان حامل لواء المهاجرين رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال أنا عاصم إن شاء الله لما معي فقال له طلحة هل لك يا عاصم في المبارزة قال نعم فبدره ذلك الرجل فضربه بالسيف على رأس طلحة حتى وقع السيف في لحيته فقتله فكان قتل صاحب لواء المشركين تصديقاً لرؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏"‏ إني مردف كبشاً ‏"‏ فلما صرع صاحب اللواء انتشر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وصاروا كتائب متفرقة فجاسوا العدو ضرباً حتى أجهضوهم عن أثقالهم وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة وحمل المسلمون على المشركين فنهكوهم قتلاً‏.‏

وذكر ابن عائذ أن طلحة المذكور في هذا الخبر هو ابن عثمان أخو شيبة من بني عبد الدار وكان بيده لواء المشركين يومئذ وأن الرجل الذي كان بيده لواء المسلمين المهاجرين علي بن أبي طالب والذي قاله ابن هشام قي هذه القصة قال ويقال أن أبا سعيد بن أبي طلحة خرج بين الصفين فنادى أنا قاصم من يبارزني مراراً فلم يخرج إليه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وأن قتلانا في النار كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقاً لخرج بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله عنه قال ابن هشام وأجاز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أحد بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما فقيل له أن رافعاً رام فأجازه فلما أجاز رافعاً قيل له يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعاً فأجازه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورد أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسيد بن ظهير ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة‏.‏

قرأت على أبي الهيجاء غاري بن أبي الفضل أخبركم أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج سماعاً قال أنا أبو القاسم بن الحصين قال أنا أبو علي بن المذهب قال أنا أبو بكر القطيعي فثنا عبد الله بن أحمد فثنا أبي فثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه‏.‏

رواه أبو داود عن الإمام أحمد وأخبرتنا السيدة مونسة خاتون ابنة السلطان الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب رحمهما الله ورحم سلفها سماعاً قالت أخبرتنا أم هانئ عفيفة بنت أحمد الفارقانية إجازة قالت أنا أبو طاهر عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن الدشتج قال أنا أبو نعيم الحافظ قال أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الصواف فثنا جعفر ابن أحمد فثنا هشام بن عمار فثنا إسماعيل بن عياش فثنا أبو بكر الهذلي عن نافع أن عمر بن عبد العزيز سأله هل تدرون ما شهد عبد الله بن عمر مع النبي صلّى الله عليه وسلّم من المغازي فقال نعم حدثنا عبد الله بن عمر قال كانت غزوة بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فلم أخرج مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم كانت غزوة أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فخرجت إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما رآني استصغرني فردني وخلفني في حرس المدينة في نفر ردهم منهم زيد بن ثابت وعرابة بن أوس ورافع بن خديج وكان رافع أطولنا يومئذ فأنفذه النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يرده معنا وكانت غزوة الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة وأنفذني فغزوت معه فلما حدث هذا الحديث دعا كاتبه فقال ‏"‏ أعجل علي كاتباً إلى الأمصار كلها فإن رجالاً يقدمون إلي يستفرضون لأبنائهم وإخوانهم فانظروا من فرضت له فاسألوهم عن أسنانهم فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة فافرضوا له في المقاتلة ومن كان دون ذلك فافرضوا له في الذرية ‏"‏‏.‏

كذا وقع في هذا الخبر أوس بن عرابة وإنما هو عرابة بن أوس وأبوه أوس بن قيظي كان من كبار المنافقين وهو أحد القائلين إن بيوتنا عورة‏.‏

وعرابة الذي يقول فيه الشماخ بن ضرار‏:‏ رأيت عرابة الوسي يسمو إلى الخيرات منقطع القرين إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أيضاً البراء بن عازب وأبا سعيد الخدري وزيد بن أرقم وسعد بن عقيب بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة الأنصاري الحارثي وسعد بن حبتة جد أبي يوسف الفقيه وهو سعد بن بحير ابن معاوية حليف بني عمرو بن عوف أمه حبتة بنت مالك وزيد بن جارية من بني عمرو بن عوف وذكره ابن أبي حاتم فيمن اسم أبيه على حرف الحاء يعني ابن حارثة فوهم في ذلك وهو أخو مجمع بن جارية وجابر بن عبد الله‏.‏

وليس بالذي نروي عنه الحديث‏.‏

قال ابن إسحاق وتعبأت قريش وهو ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس‏.‏

قال ابن عقبة وليس في المسلمين فرس واحد قال الواقدي لم يكن مع المسلمين يوم أحد من الخيل إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس أبي بردة‏.‏

قال ابن عقبة فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل‏.‏

قال ابن سعد وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية وقيل عمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن أبي ربيعة وكانوا مائة وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة امرأة‏.‏

وشاع خبرهم في الناس ومسيرهم حتى نزلوا ذا الحليفة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له أنساً ومؤنساً ابني فضالة الظفريين ليلة الخميس لخمس مضت من شوال فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم وأنهم قد حلوا إبلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به خضراء ثم بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم أيضاً فدخل فيهم فحزرهم وجاءه بعلمهم وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة في عدة ليلة الجمعة عليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرست المدينة حتى أصبحوا وذكر الرؤيا واختلافهم في الخروج كما سقناه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن لهم النصر ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه وقف الناس ينتظرون خروجه فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من آدم من حمائل سيف وأعتم وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره فندموا جميعاً على ما صنعوا‏.‏

وقالوا كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك فقال ‏"‏ لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ‏"‏ وعقد ثلاثة ألوية لواء للأوس بيد أسيد بن لحضير ولاء للمهاجرين بيد علي بن أبي طالب وقيل بيد مصعب بن عمير ولواء للخزرج بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة وفي المسلمين مائة دارع وخرج السعدان أمامه يعدوان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وعلى الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر ودليله أبو خيثمة الحارثي فحانت الصلاة يعني الصبح فصلى وانخزل حينئذ ابن أبيّ من ذلك المكان بثلاثمائة ومعه فرسه وفرس رجع إلى خبر ابن إسحق‏:‏ قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من يأخذ هذا السيف بحقه ‏"‏ فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله قال ‏"‏ أن تضرب به في وجه العدو حتى ينحني ‏"‏ قال أنا آخذه يا رسول الله بحقه فأعطاه إياه وكان أبو دجانة رجلاً شجاعاً يختال عند الحرب إذا كانت وحين رآه عليه السلام يتبختر قال ‏"‏ إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن ‏"‏‏.‏

وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر عبد بن عمرو بن صفى بن ملك بن النعمان أحد بني ضبيعة وكان فيما ذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة خرج إلى مكة مباعداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه خمسون غلاماً من الأوس وبعض الناس يقول خمسة عشر وكان يعد قريشاً أن لو لقي قومه لم يتخلف عليه منهم رجلان فلقيهم في الأحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق وكان يسمى في الجاهلية الراهب‏.‏

فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق فلما سمع ردهم عليه قال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالاً شديداً ثم راضخهم بالحجارة‏.‏

قال ابن إسحاق وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبد الدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار أنكم قد وليّتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما يؤتي الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتوعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غداً إذا التقينا كيف نصنع وذلك أراد أبو سفيان فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة التي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويحرضنهم فقالت هند فيما تقول‏:‏ ويهاً بني عبد الدار وبها حماة الأدبار ضرباً بكل بتار وتقول‏:‏ أن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق فراق غير وامق فاقتتل الناس حتى حميت الحرب قاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس‏.‏

قال ابن هشام وحدثني غير واحد أن الزبير بن العوام قال وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة فقلت والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة له حمراء فعصب بها رأسه وقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج وهو يقول‏:‏ أنا الذي عاهدني خليلي ونحن بالسفح لدي النخيل إن لا أقوم الدهر في الكيول أضرب بسيف الله والرسول فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله‏.‏

وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحاً إلا دفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته حمل السيف على رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف فعمدت إليه فلما حملت عليه السيف ولول فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة‏.‏

وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاة بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع بن عبد العزى الغشباني فقال به هلم يا ابن مقطعة البظور‏.‏

وكانت أمه ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله قال وحشي غلام جبير بن مطعم والله إني لا أنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه فما يليق شيئاً مثل الجمل الأورق إذ تقدم إليه سباع بن عبد العزى فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى إذ مات جئته فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي لشيء حاجة غيره‏.‏

وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمداً فلما قتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علياً‏.‏

وقال ابن سعد قتل مصعب بن عمير فأخذ اللواء ملك في صورة مصعب وحضرت الملائكة يومئذ ولم تقاتل وحكى دنو القوم بعضهم من بعض والرماة يرشقون خيل المشركين فتولي هوارب طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء من يبارز فبرز له علي فقتله‏.‏

وهو كبش الكتيبة الذي تقدمت الإشارة إليه في الرؤيا ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره ثم حمله أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوام‏.‏

ثم حمله الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بين عبيد الله‏.‏

ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب ثم حمله شريح ابن قارط فلسنا ندري من قتله ثم حمله صواب غلامهم فقتل قتله سعد بن أبي وقاص‏.‏

وقيل علي وقيل قزمان وهو أثبت الأقاويل‏.‏

رجع إلى خبر ابن إسحاق والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأوس فدعا أبا سفيان فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة ثم أنزل الله تعالى نصره على المسلمين فحشوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شكفيها‏.‏